التعذيب “جريمة ضد الإنسانية”
السادس والعشرون من حزيران/ يونيو من كل عام، هو اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، في هذه المناسبة الدولية، تبقى هناك حقيقة واقعية.
هي أن التعذيب “جريمة ضد الإنسانية”، ومن يقومون به يتجرَّدون من إنسانيتهم عند قيامهم بتلك الجريمة.
وقد وثقت المواثيق الدولية التعذيب بنصها: “لا يجوز إخضاعُ أحدٍ للتعذيب، ولا للمُعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة”.
التعذيب في مصر “سياسة نظام”، فهو الوسيلة الرئيسية لانتزاع الاعترافات في أثناء التحقيقات، فيتعرض للتعذيب كل
من يقع في قبضة الأجهزة الأمنية، سواء جرَّاء الاعتقال التعسفي أو القبض العشوائي، أو حتى في إطار القبض القانوني.
ولا نستطيع أن نقول عن جريمة التعذيب إنها تقع بالمصادفة أو التصرفات الفردية، إنما هي جريمة مُتعمَّدة، تتم ممارستها، ويعتاد على ممارستها ضباط وأفراد الشرطة، وبالأخص أفراد جهاز الأمن الوطني.
ولم يكن التعذيب أبدا في يوم من الأيام نتاج أخطاء فردية، لكنه ذو جذور تاريخية، وارتبط ارتباطا وثيقا بالنظام السياسي في الدولة.
فظلت مؤسسات رسمية وموظفون عموميون في الدولة يقومون بالتعذيب دون حساب أو عقاب لمرتكبيه، بل قامت الأنظمة بحمايتهم ودعمهم، وهو يجعلنا أمام جريمة نظام
“التعذيب “جريمة ضد الإنسانية
واقترن بالتعذيب مصطلح “سوء المعاملة وما يتبعه من إهانة لفظية”، فلا يقتصر التعذيب بذلك على أفعال مادية بعينها كالضرب والصعق الكهربائي والاعتداءات الجنسية التي قد تصل إلى اغتصاب الضحية وهتك عرضه،
وإنما يتعدى إلى أفعال تؤذي معنويّا، فالتعذيب هو الوسيلة الأشهر لانتزاع الاعترافات داخل أقسام الشرطة.
ومن أشهر الجهات الرسمية التي مارست التعذيب في تاريخ مصر، ما يسمى “جهاز البوليس السياسي”، وكان قبل ذلك تحت اسم “القلم السياسي”
ثم بعد ذلك أُطلقَ عليه “القلم المخصوص، ثم باسم “جهاز الأمن السياسي”، ثم إلى “جهاز المباحث العامة”، إلى أن استُحدث جهاز آخر تحت اسم “مباحث أمن الدولة”، الذي ظل بهذا الاسم حتى كانون الثاني/ يناير 2011، ثم أُطْلِقَ عليه “جهاز الأمن الوطني”.
الذي يُلاحَظُ، هو تغير الأسماء فقط، لكن الوظيفة واحدة، وهي حماية النظام السياسي وقمع المعارضين وتعذيبهم.
والتعذيب يبقى تعذيبا بوصفه مُصطلحا لجريمة تُلحق ضررا بدنيّا أو معنويّا بالضحية، ولكن طورت الشرطة والأجهزة الأمنية المصرية من أساليبها القمعية داخل السجون ومقرات الاحتجاز.
فلم يَعُدْ الضرب والصعق الكهربائي وغيره من وسائل التعذيب هو النمط الوحيد لممارسة التعذيب، بل تعداه إلى استحداث وسائل أخرى.
فهناك التعذيب عن طريق الحبس داخل زنازين ضيقة سيئة التهوية ومكدسة بأكثر من سعتها، مع منع الخروج من الزنازين لممارسة الرياضة.
فيتم التعذيب بطريق الحرمان من التعرض للشمس الذي كانت نتيجته إصابة العديد من السجناء بالأمراض الجلدية والنفسية.
والتعذيب بطريق منع الرعاية الطبية والصحية وحرمان المرضى داخل السجون من تلقي الرعاية الطبية اللائقة عمدا، مع تردي الخدمات الطبية في السجون، الذي أدى إلى وفاة أعداد كبيرة داخل السجون عن طريق التعذيب بالإهمال الطبي المُتعمَّد.
لا شك في أن غياب المحاسبة والمساءلة والتحقيق في جرائم التعذيب يُساعد على انتشار التعذيب على نطاق واسع ويعمل على استمراره، والسلطة القضائية تقاعست كثيرا في القيام بمهامها وممارسة دورها الرقابي في وقف التعذيب، ومحاسبة مرتكبيه، فقاموا بتشجيع الضباط على القيام بالتعذيب داخل السجون، عن طريق غض الطرف عن محاسبتهم،والتاريخ المصري الحديث حافل بنماذج عديدة لمرتكبي جرائم تعذيب أفلتوا من العقاب ولم تتم محاسبتهم، إما لأنه لم يتم فتح التحقيق في جرائم التعذيب من الأصل.
وهذا ما يحدث في أغلب قضايا التعذيب، وإمَّا لإحالة المتورطين لمحاكم الجنح خاصة في قضايا التعذيب المُفضي إلى الموت، حيث تُحال القضايا من النيابة العامة إلى محكمة الجنح بتهمة ضرب أفضى إلى موت، وليس إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل، وفي غالب تلك القضايا إن لم يكن كلها لا تتم محاسبة المتورطين أو يحصلون على أحكام لا تنفذ، أو أحكام مخففة لا تكون رادعة ومانعة للحد من الجريمة، ومنها على سبيل المثال:
إفلات ضباط عذبوا وقتلوا سيد بلال: قامت نيابة غرب الإسكندرية بتوجيه الاتهام إلى 5 من ضباط جهاز أمن الدولة بالقبض على سيد بلال، وتعذيبه حتى الموت.
وفي 21 حزيران/ يونيو 2012، قضت محكمة جنايات الإسكندرية بمُعاقبة أربعة من الضباط الهاربين والمتهمين في قضية مقتل بلال بالسجن المؤبد.
“التعذيب “جريمة ضد الإنسانية
بالإضافة إلى سجن المتهم المحبوس محمد عبد الرحمن الشيمي بالسجن لمدة 15 عاما، ثم تم نقض الحكم وإعادة محاكمتهم وتبرئتهم جميعا من القتل.
– إفلات ضباط من العقاب، عذبوا وضربوا خالد سعيد حتى الموت: أفراد شرطة بأمر من ضابط مباحث قسم سيدي جابر، قبضوا على الشاب خالد سعيد.
وانهالوا عليه بالضرب المبرح فتهشمت جمجمته، ثم زعموا أنه ابتلع لُفافة من حشيش البانجو. ولم يتم توجيه الاتهام للضباط الذين أصدروا الأمر بالتعذيب والضرب، ولكن تمت محاكمة أفراد شرطة (عساكر)، وصدر الحكم بالسجن 10 سنوات.
– إفلات من العقاب في واقعة تعذيب أفضى إلى موت المحامي كريم حمدي: محام مصري، قُتِل داخل قسم شرطة بعد تعذيبه على يد ضباط الأمن الوطني.
بعد يومين فقط من إلقاء القبض عليه، وبعد القتل، نشر أصدقاؤه صورة جثمانه من داخل المشرحة وآثار التعذيب واضحة عليه.
تم تقديم ضابطين من ضباط الأمن الوطني للمحاكمة بتهمة قتل كريم حمدي، وحُكِمَ عليهما بالسجن لمدة خمس سنوات، ثم تمت تبرئتهما بعد نقض الحكم.
– إفلات ضباط عذبوا وقتلوا 37 شخصا وأصابوا 8 آخرين في القضية المعروفة إعلاميّا بقضية “سيارة الترحيلات”: تم تقديمهم للمحاكمة.
ولكن ليس أمام محكمة الجنايات ولم توجه لهم تهمة القتل، فتمت المحاكمة أمام محكمة الجنح، ثم خَففت محكمة جنح النقض الحكم من خمس سنوات إلى الحبس سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ.
– إفلات ضابط و 9 أمناء شرطة في قسم الأميرية من العقاب بعدما عذبوا مجدي مكين حتى الموت: وجهت النيابة للمتهمين تهم تعذيب المجني عليه حتى الموت.
والإضرار العمدي بجهة عملهم (وزارة الداخلية)، وإحداث الإصابات الواردة بتقرير الطب الشرعي لرفقاء المواطن القبطي مجدي مكين.
والتزوير في محضر الضبط الخاص بمكين وزملائه. ثم تم إخلاء سبيلهم وإحالتهم لمحكمة الجنايات، ثم تنحى القضاة وقُضي بإحالتها لدائرة أخرى، ومنذ عام 2017 إلى الآن، لم يصدر الحكم في القضية والجناة أحرار غير محبوسين.
هكذا، التعذيب جريمة يتعين محوها من الوجود، جريمة لا تسقط بالتقادم، إلا أن ضحايا التعذيب بحاجة إلى الدعم والمساندة، حتى ولو بقولنا “لا للتعذيب”.
لقراءة المقال على موقع عربي 21 الرجاء الانتقال للرابط التالي: