في أحد أحياء المطرية بالقاهرة، قبل أكثر من سبع سنوات، ودّعت أسرة المهندس محمود عصام ابنها الوحيد دون أن تدري أنه سيكون وداعًا طويل الأمد. في السادس من ديسمبر عام 2017، اقتحمت قوات الأمن منزله، واقتادته إلى جهة غير معلومة. منذ تلك اللحظة، انقطعت أخباره تمامًا، ولم تفلح بلاغات الأسرة وتلغرافاتها المتكررة في الكشف عن مصيره.
كان محمود شابًا طموحًا، أنهى دراسته في كلية الهندسة بتقدير جيد جدًا، وكرّس جزءًا من وقته لمساعدة المحتاجين، متطوعًا في الأعمال الخيرية، ومدّ يد العون للفقراء بتركيب شبكات المياه والكهرباء وإصلاح المنازل المتضررة. لم يكن له أي انتماء سياسي، ولم يرتكب جرمًا يستحق عليه هذا المصير الغامض.
قبل اختفائه، لم يكن محمود مجرد ابن لوالديه، بل كان عمودًا يستند عليه الأب العجوز والأم المريضة، وكان زوجًا في بداية حياته، لم يكد يكمل خمسة أشهر من زواجه حينما تم اعتقاله، تاركًا زوجته حاملًا في شهرها الثالث. اليوم، كبر الطفل، أتمّ عامه السابع، يسأل كل يوم عن أبيه، لكن لا إجابة سوى صورة باهتة وذكريات تُروى له.
الأب المكلوم، الذي أرهقته السنون والعمليات الجراحية، والأم التي أنهكها الحزن، لا يزالان ينتظران. لم يفقدا الأمل، لكن الألم لا يفارق قلوبهما، خاصة مع مرور كل رمضان جديد دون محمود. كيف تمر هذه السنوات على من فقدوا ابنهم الوحيد دون أن يعرفوا إن كان حيًا أم لا؟ كيف ينام طفل صغير دون أن يسمع صوت أبيه، أو يحظى بحضنه؟
ثماني سنوات مضت، ولا تزال الأسرة تبحث عن إجابة، عن بصيص أمل، عن لحظة تعيد إليهم ما فقدوه في ذلك اليوم.
#مؤسسة_عدالة_لحقوق_الإنسان